استمرارا في سلسلة المحاضرات عن بعد التي ينظمها ماستر التنظيمات الإجتماعية واستراتجيات التغير.
المحاضرة الرابعة حول موضوع:
" سوسيولوجيا التنظيمات: مفاهيم وقضايا نظرية"
مع الأستاذ: إدريس الدريسي.
أستاذ علم الإجتماع بجامعة ابن زهر، أكادير.
وذلك يوم الاثنين 15 يونيو 2020 على الساعة الخامسة.
تسجيل اللقاء:
التقرير:
تقرير المحاضرة الرابعة حول موضوع:
سوسيولوجيا التنظيمات مفاهيم وقضايا نظرية
للأستاذ ادريس الدريسي.
استمرارا في سلسلة المحاضرات عن بعد التي ينظمها ماستر التنظيمات الاجتماعية واستراتيجيات التغير، نظم هذا الأخير محاضرته الرابعة بعنوان "سوسيولوجيا التنظيمات: مفاهيم وقضايا نظرية" وقام بإلقائها الدكتور ادريس الدريسي؛ استاذ علم الاجتماع بجامعة ابن زهر بأكادير، وذلك يوم الاثنين 15 يونيو 2020 على الساعة الخامسة مساء.
بعد أن ألقى الأستاذ كلمة شكر وتقدير لماستر التنظيمات الاجتماعية واستراتيجيات التغير، وضح أن الهدف من المحاضرة هو التفاعل مع الطلبة والطالبات وتبادل الافكار وفتح باب النقاش حول القضايا المتعلقة بالموضوع أكثر من كونها محاضرة للإلقاء والاستماع. انتقل مباشرة بعد هذه التوطئة لإبراز التصميم العام للمحاضرة، وأوجزه في: مقدمات عامة، بناءات مفاهيمية، مسارات نظرية، وأخيرا خلاصات واستنتاجات.
1- مقدمات عامة:
استهل هذا الشق من مداخلته بإبراز ممارسة النقد والبناء الذي يتيحه حقل السوسيولوجيا من خلال التعرف على النظريات السوسيولوجية التي أثَث لها مجموعة من علماء الاجتماع على مر التاريخ أو من خلال العمل الميداني السوسيولوجي. لذلك، لا يجب التعامل مع ما كتب في موضوع النظريات السوسيولوجية بنوع من الصنمية، بل لابد من مساءلة ابستيمولوجية لهذه النظريات، وهذه من حسنات علم الاجتماع، فـغاستون بشلار على سبيل المثال يوضح في هذا الصدد أن لا شيء معطى وجاهز بل كل شيء يتم إعادة بنائه من جديد وفق جملة من المتغيرات.
كما ركز فيها على نقطة أساسية تتمثل في ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، التحولات الراهنة في دراسة موضوعات التنظيمات الاجتماعية واستراتيجيات التغير، فما نعيشه اليوم في ظل جائحة كورونا خلق عدة انعكاسات على الحياة الاجتماعية وعلى ديناميتها. وبالتالي، فإن هذه الظرفية أفرزت موضوعات وإشكالات جديدة يمكن للباحث في علم الاجتماع أن يقوم بدراستها وفق المنهج العلمي.
2- بناءات مفاهيمية:
تطرق في هذا الشق لمجموعة من المفاهيم الأساسية التي تتأطر ضمن سوسيولوجيا التنظيمات، فبداية يجب الوقوف عند مفهوم علم اجتماع التنظيم، وعلاقاته بعلم الاجتماع الصناعي والمهني؛ نظرا لوجود تداخل بين هذه المفاهيم، لنصل إلى مفهوم التنظيم، ثم تنميط التنظيمات، وأخيرا مستويات التحليل في دراسة التنظيم.
1. علم اجتماع التنظيم:
ارتبط علم اجتماع التنظيم في نشأته ارتباطا وثيقا بعلم الاجتماع الصناعي. ففي عام 1944 استكمل "إلتون مايو" E.Mayo وزملاؤه دراساتهم التي قاموا بإجرائها في عدة تنظيمات صناعية وهي: مصنع النسيج بالقرب من فيلادلفيا، ومصانع الطائرات في جنوب كاليفورنيا، ومصنع المعادن، ومصانع "هاوثورن" Hawthorne لإنتاج معدات الهواتف التابعة لشركة "ويسترن إلكتريك" الموجودة في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة. وبعد ذلك سيحاول علماء الاجتماع الاستفادة من هذه الدراسات ومن نتائجها، وعلى ضوئها سيبرز فرع جديد داخل السوسيولوجيا تحت اسم "علم اجتماع التنظيم"، يعنى بدراسة المؤسسات التنظيمية من مختلف جوانبها، فالشيء الذي أسهم في هذا الظهور القوي هو النمو الواسع للتنظيمات إلى درجة الحديث عن عصر التنظيمات بامتياز، وهذا ما أشار اليه روبرت بريثيوس حينما تحدث كون المجتمع الحديث هو مجتمع تنظيماتي بشكل كبير، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فما أصبح عليه التنظيم من أهمية داخل الحياة الاجتماعية قد زاد من سرعة ظهور هذا الفرع، إذ أن الانسان المعاصر لا يمكن أن يعيش خارج التنظيم فهو منه وإليه. وبالتالي، فإن هذه الأدوار الاجتماعية التي يلعبها التنظيم اليوم تجعل جملة من الموضوعات والإشكالات تفرض نفسها على الباحث السوسيولوجي.
ومنه، فنتيجة كثرة المعلومات عن تنظيمات العمل المختلفة، واتساع نطاق النمو التنظيمي، وفاعلية دوره في الحياة الاجتماعية، والتغيرات التي تحدث داخله، وما يترتب عن ذلك من مشكلات تنظيمية، ظهرت الحاجة إلى هذا الميدان؛ بمعنى أن هناك مجموعة من العوامل التي أدت إلى ظهوره: الأولى داخلية، مرتبطة بالتنظيمات نفسها بمختلف أشكالها: سياسية، اقتصادية، تعليمية، اجتماعية...والتي أبدعها الأفراد، ففلاسفة العقد الاجتماعي يتحدثون عن مرحلتين من ظهور المجتمع الإنساني: المرحلة الطبيعية التي كان الإنسان فيها يعيش حالة من التوحش واللا تنظيم وانتقل بفعل التعاقد الاجتماعي الى حالة مدنية ومنظمة، وهنا برز المجتمع وبالتالي فلابد له أن يمأسس ذاته، من خلال خلق مؤسسات وتنظيمات جديدة تستجيب لحاجاته المتنوعة، حينما ظهرت هذه المنظمات والمؤسسات ظهرت معها مجموعة من المشاكل؛ سواء أتحدثنا عن المقاولة أو الجمعية أو الحزب...وذلك تلبية للحاجيات المتعددة للإنسان. أما الشق الثاني من هذه العوامل فهي خارجية: مرتبطة بالتطورات العامة التي شهدها المجتمع وما افرزه من تغيرات في أسس الحياة الاجتماعية.
هذا الزخم من التحولات، فرض على الباحث في علم الاجتماع مقاربة هذه المشاكل والظواهر، وهنا يمكن ان نتحدث عن كون عالم الاجتماع الأمريكي الاسرائيلي ايميتاي ايتزيوني من خلال كتابه "التنظيمات الحديثة" كان له السبق في إيقاظ الفكرة الداعية الى تخصيص هذا الميدان. الإشارة إلى تخصيص ميدان التنظيمات ومقاربتها سوسيولوجيا.
بشكل عام، فميدان علم اجتماع التنظيم يهتم بتطبيق نظريات علم الاجتماع ومناهجه وأدواته التصورية، أي حينما يلج الباحث لإنجاز دراسة ميدانية فإنه يشتغل وفق أدوات منهجية ليست بالضرورة ذات علاقة صنمية بعلم اجتماع التنظيم، إنما هي أدوات وتقنيات عامة يمكن ان يشتغل عليها آخرون في تخصصات سوسيولوجية، من هذه التقنيات: الاستمارة، الملاحظة، تحليل المضمون وغيرها من الأدوات التقنية. وبالتالي فإن علم اجتماع التنظيم يشتغل وفق هذه المقاربة الكمية والكيفية في جمع المعطيات...
وعلى الرغم من أن ميدان علم اجتماع التنظيم يعتبر من الميادين المستقلة نسبيا في علم الاجتماع إلا أن هناك درجة من التقارب والاعتماد المتبادل بين هذا الميدان وغيره من ميادين الدراسة في علم الاجتماع، وخاصة ميداني علم الاجتماع الصناعي وعلم الاجتماع المهني. وقد أدى هذا التقارب إلى قيام الجمعية الدولية لعلم الاجتماع بوضع هذه الميادين الثلاثة وثيقة الصلة بعضها ببعض تحت عنوان (العمل والتنظيمات)، كما نجد أن هناك اتجاها قويا بأن تضم هذه المیادین الثلاثة تحت عنوان علم اجتماع التنظيم. وإذا رجعنا إلى مجموعة من أطروحات الدكتوراه سنجد أن هناك مجموعة من الوحدات تسمى سوسيولوجيا التنظيمات والشغل أو سوسيولوجيا التنظيمات والمهن، والعمل... وذلك للدلالة على ان هناك تداخلا بين هذه الحقول المعرفية داخل علم الاجتماع ويتجلى هذا التداخل بالضبط حينما عرف آدم سميث علم الاجتماع الصناعي، بأنه دراسة العلاقات الاجتماعية داخل المصانع والمنظمات إلى جانب دراسة التأثير المتبادل بينها وبين المجتمع المحلي. ونلاحظ أن هذا التعريف يجعل ميدان علم الاجتماع الصناعي أكثر شمولا واتساعا، حيث يشمل دراسة العلاقات الاجتماعية داخل جميع التنظيمات الصناعية وغير الصناعية. إذا نظرنا في هذا التعريف بدقة نرى الحضور القوي لسوسيولوجيا التنظيمات لدرجة تجعلنا نقول أن سوسيولوجيا التنظيمات هي عامة والأخرى فروع داخله، كما أن اتيزيوني يرى إمكانية اعتبار علم الاجتماع الصناعي فرعا من علم اجتماع التنظيم، وذلك باعتبار أن النظرية التنظيمية كما يقول ايتزيوني على درجة عالية من النمو والتكامل، بحيث تصلح كموجه للبحوث التي تجرى في المجالات الصناعية.
كما يتقاطع علم الاجتماع المهني أيضا مع علم اجتماع التنظيم؛ وهذا ما دفع نفس الجمعية لاعتباره يدرس خمسة موضوعات أساسية هي: دراسة المهن الفردية، ودراسة البناء المهني، ودراسة العلاقة بين المهن الفردية أو البناء المهني وبين الجوانب العامة للبناء الاجتماعي، ودراسة العلاقة بين العمل وبين بعض الظواهر الاجتماعية مثل وقت الفراغ والتقاعد والبطالة، وأخير دراسة إحدى المهن لإلقاء الضوء على إحدى مشكلات المجتمع.
2. مفهوم التنظيم: دلالاته وخصائصه.
حظي مفهوم التنظيم باهتمام واسع من لدن باحثين في مجالات مختلفة من العلوم الإنسانية خاصة منها: علم الاجتماع، علم الاقتصاد، علم النفس...فنجد على سبيل المثال الباحث أميتای إتزیونی A. Etzioni الذي يعرف التنظيم في كتابه "التنظيمات الحديثة" الصادر سنة 1964، بكونه « وحدة اجتماعية يتم إنشاؤها من أجل تحقيق هدف معين » ، ويرى إتزيوني أن التنظيم عندما ينشأ تكون له أهداف واحیتاجات تتعارض أحيانا مع أهداف واحتياجات أعضاء هذا التنظيم. وهنا نميز بين التنظيمات التي يلجأ إليها الإنسان قهريا: حيث الخروج منها ينعكس سلبا على الفرد، ثم التنظيمات التي يلجأ اليه الانسان حرا: الخروج منها ليس بالضرورة ذو ضريبة او انعكاس سلبي.
يتشابه التعريف السابق للتنظيم مع تعريف «تالکوت بارسونز» T. Parsons باعتبار أنها "وحدات اجتماعية تقام وفقاً لنموذج بنائي معین لکي تحقق أهدافا محددة"، فكل تنظيم يتم بناؤه لتحقيق اهداف قد تكون عامة أو خاصة كالوداديات لها أهداف خاصة بأفراد معينين، و تعتمد هذه التنظيمات كذلك على إجراءات قد تكون كلاسيكية أو حديثة، لذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار التحولات التي تطرأ على المجتمع في أية دراسة.
أما ميشل كروزيي وفريدبرك هيرزبرغ في كتابهما المعنون بـ "الفاعل والنسق" فيعتبران التنظيم "مملكة السلطة والتأثر والتفاوض والحساب"، فكل مفهوم من هذه المفاهيم الأربعة تحيلنا على العديد من الأفكار والتأويلات، فحينما نتحدث عن "مملكة السلطة" نطرح سؤالا: أي نوع من السلطة هاته؟ السؤال الذي يحيلنا بدوره إلى ماكس فيبر في تصنيفه لأنماط السلطة إلى: سلطة تقليدية و كاريزمية وأخرى عقلانية قانونية. أما "التأثير" فغالبا ما نجد أن صاحب المرتبة العليا في المنظمة يحاول ان يؤثر على من هم أقل شأناً وإخضاعهم. كما ان "التفاوض" داخل التنظيمات له حضور قوي قد يحدد مجرى المنظمات، كما نلمس في الآونة الأخيرة بالخصوص (مع ظرفية الجائحة) طغيان عنصر "الحساب" داخل التنظيمات الاقتصادية.
3. تنميط التنظيمات:
يقصد بالتنميط، التصنيف وفقا لمعيار أو لمجموعة من المعايير. وقد يستخدم هذا المنهج في تصنيف العناصر الثقافية، أو الجماعات الإنسانية، أو المجتمعات المحلية. وترجع أهمية تنميط التنظيمات إلى كونها تساعد على تحليل التنظيم وتوجيه الدراسة المقارنة للتنظيمات، تلك الدراسة التي تساعد على التعرف على أوجه التماثل أو الاختلاف بين التنظيمات التي يتم المقارنة بينها، بالإضافة إلى التعرف على العوامل المؤدية إلى هذا التماثل أو الاختلاف.
وقد حاول بعض العلماء تصنيف التنظيمات على أساس بعض المعايير المختلفة مثل: حجم التنظيمات، أهدافها، وظائفها ، استخدام التكنولوجيا، بناؤها، المستفيد الأول من أنشطتها، درجة القوة والضبط التنظيمي، وأسباب الانتماء إليها. وأساس علاقات الامتثال داخلها.
1) تنميط التنظيمات على أساس علاقات الامتثال :
وفي هذا الصدد، نجد أن إتزیوني A. Etzioni وضع نموذجا لتنميط التنظيمات على أساس علاقات الامتثال؛ أي على أساس الطريقة التي يتصرف بها أعضاء المستوى التنظيمي الأدنى في مواجهة السلطة داخل التنظيم. ویری إتزیوني أن هناك ثلاثة أنماط للسلطة يقابلها ثلاثة أنماط من الامتثال، فهناك نمط السلطة القهرية الذي يستخدم العقاب البدني ويقابله نمط الامتثال الاغترابي (أو الاستلاب حسب كارل ماركس)، وهناك نمط السلطة الذي يستخدم المكافآت ويقابله نمط الامتثال الحسابي أو النفعي، وأخيرا هناك نمط السلطة الذي يستخدم الإقناع والمكافآت الرمزية ويقابله نمط الامتثال الأخلاقي. وهذه الأشكال الثلاثة من علاقات الامتثال تعتبر من الأشكال الشائعة التي يتكرر حدوثها من الناحية العملية بالنسبة لغيرها من علاقات الامتثال.
في ضوء ما سبق ، قام «إتزیوني» بتصنيف التنظيمات حسب علاقات الامتثال إلى ثلاثة أنماط على النحو التالي :
التنظيمات القهرية أو الملزمة: وهي تلك التنظيمات التي تفرض العضوية فيها على الأفراد بالقوة، ومن أمثلة هذه التنظيمات السجون والمستشفيات العقلية.
التنظيمات النفعية: وهي تلك التنظيمات التي يتم إنشاؤها من أجل تحقيق أهداف وفوائد عملية، ومن أمثلتها التنظيمات الصناعية والتجارية، والجامعات .
التنظيمات الاختيارية: وهي تلك التنظيمات التي يلتحق بها الأفراد باختيارهم ويتركونها بإرادتهم الحرة، ومن أمثلة هذه التنظيمات، النوادي، ودور العبادة. ونلاحظ أن التنظيمات النفعية تقع في مركز متوسط بین التنظيمات القهرية والتنظيمات الاختيارية، وذلك نظرا لأن العضوية في هذه التنظيمات لا تعتبر إجبارية تماما، كما أنها لا تعتبر اختيارية أيضا.
إن هذه الأنماط الثلاثة من التنظيمات لا توجد دائما مستقلة عن بعضها البعض. فقد يجمع تنظيم معين بين أكثر من نمط هذه الأنماط التنظيمية السالفة الذكر.
2) تنميط التنظيمات على أساس المستفيد الأول من الأنشطة التنظيمية:
قام بلاو P. M. Blau وسكوت W. R. Scott بوضع تنميط للتنظيمات على أساس سؤال بسيط هو من المستفيد الأول من الأنشطة التنظيمية ؟ وطبقا للإجابة عن هذا السؤال، تم تصنيف التنظيمات إلى أربعة أنماط من التنظيمات على النحو التالي:
تنظيمات المنفعة المتبادلة: وفيه يكون المستفيد الأول من أنشطة التنظيم هم الأعضاء، ومن أمثلة هذه التنظيمات: الأحزاب السياسية، الاتحادات، والنوادي، الهيئات المهنية، والتنظيمات الدينية. ونجد أن المشكلة الأساسية التي تواجه هذه التنظيمات، هي مشكلة ضبط سلوك الأعضاء داخلها، والتي تعتبر العضوية فيها اختيارية.
تنظيمات العمل: وفيها يكون المستفيد الأول هم الملاك، ومن أمثلة هذه التنظيمات، المصانع، البنوك، وشركات التأمين. ونجد أن أهم المشكلات التي تواجه مثل هذه التنظيمات تتمثل في كيفية تحقيق الأرباح عن طريق الحصول على أكبر عائد ممكن بأقل تكلفة ممكنة.
تنظيمات الخدمة: وفيها يكون المستفيد الأول هم العملاء، ومن أمثلتها، المستشفيات، مؤسسات الرعاية الاجتماعية، والمدارس. ومن المشكلات الأساسية في هذه التنظيمات مشكلة رفع مستوى الكفاءة المهنية للعاملين لرفع مستوى الرعاية التي تقدم للعملاء.
تنظيمات المصلحة العامة : وفيها يكون المستفيد الأول من أنشطة التنظيم هو عامة الأفراد، ومن أمثلتها التنظيمات العسكرية، وتنظيمات الشرطة والإطفاء. ونجد أن مثل هذه التنظيمات تعمل تحت رقابة الدولة، لذلك يجب أن تعمل على رفع كفاءتها حتى يمكنها إشباع احتياجات الأفراد، ومن أوجه النقد التي يمكن أن يتعرض لها هذا التنميط ، أنه قد يكون من الصعب تحديد المستفيد الأول أو الأساسي من الأنشطة التي يؤديها التنظيم . لذلك قد يصعب أحيانا استخدام مثل هذا التنميط .
3) تنميط التنظيمات على أساس التكنولوجيا :
قامت «وودواردJoan WOODWARD » بدراسة مائة مصنع من المصانع البريطانية، ثم قامت بتنميط هذه التنظيمات الصناعية على أساس درجة التعقيد في التكنولوجيا المستخدمة فيها إلى ثلاثة أنماط على النحو التالي:
التنظيمات الصناعية التي تستخدم التكنولوجيا البسيطة: وفيها يتم الإنتاج بالوحدة، ويكون قليلا من حيث الكمية.
التنظيمات التي تستخدم عمليات الإنتاج الكبير: ونجد أن مثل هذه التنظيمات تعتمد على خطوط التجميع لإنتاج كميات ضخمة من الوحدات الإنتاجية، مثل التليفزيون والسيارات.
التنظيمات الصناعية التي تستخدم العمليات الإنتاجية بالغة التعقيد: وفي هذه التنظيمات تكون العمليات الإنتاجية مستمرة، مثل التنظيمات التي تعمل في صناعة تكرير البترول.
ودرست أيضا العلاقة بين نمط التكنولوجيا وعمليات الإنتاج وبين البناء التنظيمي، فتبين أنه كلما زادت درجة التعقيد الفني داخل التنظيمات الصناعية، زاد عدد المستويات الإشرافية، وانخفضت تكلفة العمل.
4) تنميط التنظيمات على أساس وظائفها
ذهب «بارسونز» إلى أن هناك أربعة متطلبات وظيفية أساسية يتعين على كل نسق أن يواجهها إذا ما أراد البقاء. وهذه المتطلبات هي: المواءمة، تحقيق الهدف، التكامل، والكمون أو ضبط أو خفض التوتر، وعلى التنظيم بوصفه نسقا اجتماعيا أن يواجه هذه المتطلبات، وأن يضمن تحقيقها لبلوغ أهدافه.
وفي ضوء المتطلبات الوظيفية السالفة الذكر، حاول بعض العلماء تنميط التنظيمات على أساس وظائفها. فشكل التنظيم تتم رؤيته كما يحدده الدور الذي يلعبه بالنسبة إلى النسق الاجتماعي ككل أكثر مما تحدده أهداف أعضائه. وإذا أمكن تحديد حاجات النسق التي يشبعها (التكيف، تحقيق الهدف، التكامل، ضبط أو خفض التوتر)، فإنه يمكن التنبؤ باستجابة التنظيم وعلى ذلك يمكن تصنيف التنظيمات على أساس وظائفها إلى أربعة أنماط على النحو التالي:
التنظيمات التي تهدف إلى تحقيق التكيف: ومن أمثلتها تنظيمات العمل.
التنظيمات التي تواجه متطلب تحقيق الهدف: ومن أمثلتها التنظيمات العسكرية.
التنظيمات التي تهدف إلى التكامل: ومن أمثلتها، المستشفيات.
التنظيمات التي تهدف إلى ضبط أو حفظ التوتر ومن أمثلتها، التنظيمات الدينية التي تهدف إلى المحافظة على أنماط القيم الأساسية.
5) مستويات التحليل في دراسة التنظيم
يقوم علماء الاجتماع بتحليل الحياة الاجتماعية على ثلاثة مستويات. ونجد أن المستوى الأول هو مستوى تحليل العلاقات الشخصية، حيث يتم تحليل العلاقات الاجتماعية بين شخصين أو أكثر، مثل تحليل العلاقة بين القائد والأتباع، أو بين الأستاذ والطلاب. أما المستوى الثاني من التحليل فيتم على مستوى الجماعة، مثل تحليل العلاقة بين أعضاء جماعة الأصدقاء، أو تحليل العلاقة بين الإدارة والعمل. وأخيرا قد يتم التحليل على المستوى المجتمعي، حيث يتم تحليل المجتمع ككل .
3- مسارات نظرية:
نظريات كلاسيكية: تضم كل من نظرية شمولية الإدارة مع هنري فايول، نظرية الإدارة العلمية مع تايلور، النظرية البيروقراطية مع ماكس فيبر وهناك من يدرج العلاقات الإنسانية إيضا.
نظريات معاصرة: تشمل نظرية العوارض السياقية، نظرية التحليل الاستراتيجي، نظرية التحليل المؤسساتي الجديد، نظرية الايكولوجيا السكانية وغيرها.
أفرزت هذه المداخلة العلمية المفصلة والدقيقة إشكالات وتفاعلات بالجملة مع الأفكار والقضايا التي وقف عندها الأستاذ ادريس الدريسي، فهناك من اتجه للاستفسار حول التحولات الحديثة وما يستلزمه البحث العلمي ولاسيما الميداني من مواكبة، في حين انصبت استفسارات أخرى في اتجاه الوقوف عند بعض خصائص المنظمة وما تستلزمه من حذر علمي ونظرة سوسيولوجية دقيقة.
ختم الأستاذ المحاضر هذا اللقاء بالإشارة الى أهمية مثل هذه المحاضرات في توجيه الطلبة والطالبات لاختيار بحوث التخرج وطرح إشكالات مختلفة تتماشى وطبيعة التغيرات التي يشهدها المجتمع.
حرر بتطوان يوم الثلاثاء 16يونيو 2020
من طرف: الطالبة الباحثة إكرام مونا والطالب الباحث جعفر مرون