ينظم ماستر التنظيمات الاجتماعية واستراتيجيات التغير لقاء مفتوحا مع الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي حول موضوع:
"L’économie de marché et les choix de développement du Maroc".
"اقتصاد السوق وخيارات التنمية في المغرب".
Najib Akesbi économiste
Titulaire d’un doctorat d’Etat en économiques de l’Université Paris Dauphine.
Titulaire d’un diplôme de l’Institut d’études politiques de Paris.
Titulaire d’une maîtrise en sciences de Gestion (Paris-IX-Dauphine)
diplômé d’études comptables supérieures de l’expertise Comptable
Du Conservatoire national des arts et métiers.
professeur de l'enseignement supérieur à l'Institut agronomique et vétérinaire Hassan II (IAV) à Rabat.
Spécialiste des politiques publiques et de l’économie agricoles.
Spécialiste des domaines de l'économie rurale et des finances publiques.
Il anime également divers enseignements et séminaires sur les politiques agricoles, le management des projets et la fiscalité, dans différents établissements d'enseignement supérieur.
Ancien chef du Département des sciences humaines à l’IAV.
Coordinateur de la filière « Économie et gestion » de l'École d'agronomie de l’IAV.
Directeur de l'Unité nationale de formation du programme de management agricole pour l'Afrique du Nord (NAMTA) .
الدكتور نجيب أقصبي
حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة باريس دوفين
حاصل على دبلوم معهد الدراسات السياسية في باريس.
حاصل على درجة الماجستير في العلوم في الإدارة (باريس-إكس-دوفين)
دبلوم في الدراسات المحاسبية من قسم المحاسبة في المعهد الوطني للفنون والحرف
أستاذ التعليم العالي بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة الرباط.
مختص في السياسات العامة والاقتصاد الزراعي.
رئيس سابق لقسم العلوم الإنسانية بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة.
منسق وحدة الاقتصاد والإدارة بكلية الهندسة الزراعية.
مدير وحدة التدريب الوطنية ببرنامج إدارة الزراعة بشمال إفريقيا.
عضو مجلس إدارة الجمعية المغربية للاقتصاد في الرباط، والعديد من شبكات البحوث في المغرب والخارج.
عضو المركز الدولي للدراسات الزراعية المتقدمة في البحر المتوسط
وذلك يوم الأربعاء 24 يونيو 2020 على الساعة السابعة مساء، على الصفحة الرسمية للماستر.
تسجيل اللقاء:
تقرير:
المحاضرة السابعة للخبير الاقتصادي الدكتور "نجيب أقصبي" حول موضوع:
.« L’économie de marché et les choix de développement du Maroc »
استمرارا في سلسلة المحاضرات عن بعد، نظم "ماستر التنظيمات الاجتماعية واستراتيجيات التغير"؛ المحاضرة السابعة، والتي كانت عبارة عن لقاء مفتوح حول موضوع: "اقتصاد السوق وخيارات التنمية في المغرب"، أشرف على تأطيرها الدكتور والخبير الاقتصادي "نجيب أقصبي" أستاذ التعليم العالي بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، ومختص في السياسات العامة والاقتصاد الزراعي، الذي نوجه له أسمى عبارات الشكر والتقدير على قبوله الدعوة وتشريفنا بمحاضرته القيمة، وذلك يوم الأربعاء 24 يونيو 2020، على الساعة السابعة مساءً ببث مباشر على صفحة الماستر.
بدايةً وجه الدكتور "نجيب أقصبي" كلمات الشكر والترحيب لكل الحاضرات والحاضرين من أساتذة وطلبة باحثين، ثم استهل حديثه بعرض مدخل مفاهيمي لدراسة مفهوم اقتصاد السوق، معتبرا السوق مصطلحا اقتصاديا إلا أن علم الاجتماع طوره ليتحول إلى مفهوم سوسيواقتصادي، فالسوق حسب الخبير الاقتصادي هو بناء اجتماعي Construction sociale.
ثم انتقل إلى توضيح الشروط التي تناولتها النظريات الكلاسيكية والنيوكلاسيكية التي يجب أن تتحقق في وضع معين لإمكانية حدوث ما يتوقعه هؤلاء المنظرين، هذا الطرح يبرز بطريقة أو بأخرى المسافة أو الهوة بين النظرية والواقع.
إن الفكرة الأساسية التي طرحها الدكتور "نجيب أقصبي" هي أن اختيارات التنمية في المغرب لها جذور تاريخية، امتدت لما يقرب ستة عقود؛ أي أن الحديث هنا ليس عن اختيارات سنة أو سنتين، بل عن اختيارات تتراوح ما بين 50 إلى 60 سنة.
هذه الاختيارات راهنت بالأساس على السوق سواءٌ داخل الاقتصاد الوطني أو على الصعيد العالمي، ولا شك أن اليوم وبعد ستين عاما من السياسات العمومية التي وُظفت جلها إن لم نقل كلها في سبيل الوصول إلى نمط معين من اقتصاد السوق، في خضم الاقتصاد الوطني المندمج في السوق العالمية، إلا أن الحصيلة والنتائج تبدو جلية للجميع، بحيث وقع إقرار واعتراف رسمي بفشل ما يسمى (بالنموذج التنموي)، هذا الفشل في الحقيقة هو فشل للاختيارات المُتخذة، الأمر الذي يقودنا إلى استنتاج مفاده أنه إذا كنا الآن بصدد مرحلة مُطالبين فيها بالتحاور والنقاش بُغية بلورة اختيارات جديدة وبديلة فيجب أن نكون أكثر واقعية وعقلانية في الاختيارات المقبلة التي لا يُمكن لها أن تنجح إلا بالاستفادة من الدروس السابقة.
إن مفهوم اقتصاد السوق في الحقيقة هو بناءٌ اجتماعي، بخلاف ما راهنت عليه النظرية الكلاسيكية منذ "آدم سميث" أو حتى ما قبله، والتي تعتبر السوق مكانا أو مجالا يمكن أن يكون ماديا واقعيا أو حتى افتراضيا ً...إذن فالسوق بهذا المعنى هو لقاء بين العرض والطلب ومن خلال هذا اللقاء ينتج سعر معين لتلك المواد والخدمات المعروضة من جهة والمطلوبة من جهة أخرى، وهذا السعر حسب النظرية الكلاسيكية يُحقق بصفة طبيعية أحسن توظيف للموارد؛ لأن السعر هو نقطة بين العرض والطلب، وهنا تتضح أسطورة ما أسماه "آدم سميث" باليد الخفية la main invisible، وتبعا لهذه النظرية فكل شخص يبحث من خلال منطقه عن مصلحته، ولكن بقدرة اليد الخفية فإن الجمع بين المصالح الشخصية يؤدي إلى تحقيق المصلحة العامة.
نحن دائما بصدد تطور النظريات على مر العصور، وتطور في التجارب؛ التي بينت أنه منذ القرن 17م وإلى يومنا هذا ومع أزمة جائحة كوفيد 19، كشفت وبينت أن السوق وحده في الحقيقة هو شيء وهمي مجرد بمعنى آخر فهو دائما في حاجة ماسة إلى السلطة المؤسساتية، لأن هذه الأخيرة تضع مجموعة من الضوابط وقواعد اللعبة؛ وعلى الجميع الامتثال لها واحترامها حتى يتسنى للسوق أداء وظيفته، هذه الضوابط توضح أنه لأجل تحقيق دينامية وحركية السوق يتوجب ضرورة وجود قواعد، فحتى الأسواق التقليدية على سبيل المثال يوجد بها أمين للسوق يلاحظ ويحافظ على احترام هذه القواعد.
استشهد الخبير الاقتصادي "نجيب أقصبي" بالسوسيولوجي الفرنسي "بيير بورديو" الذي يرى بأن العرض والطلب لم يسبقا السوق بل هما نتيجة مُشكَلة من طرف واقع السوق أو ما يحدث في إطاره، ويعني هذا أن القواعد المُتحكمة في السوق هي خارجة عن منطق النظرية الكلاسيكية. ف "بورديو" قدم مثال السكن الفردي في فرنسا وحاول ملاحظة سوق بيع وشراء العقارات؛ ومنه تساءل عن ماهية الدوافع والعوامل المُتحكمة في الاختيار؛ وخلص إلى أن هذا الأخير تتحكم فيه عوامل خارجة عن السوق، كمسألة الذوق، القدرة الشرائية ومجموعة من المعايير الأخرى؛ كل هذه المعطيات هي عبارة عن تمثلات اجتماعية représentation sociales تسهم في تحديد اختيار الطالب/ المُشتري؛ وبالتالي تحدد الطلب بصفة عامة. وهكذا تكون اعتبارات خارجة عن السوق عبارة عن تمثلاث اجتماعية هيَ المحدد الرئيسي للاختيار، وهي التي تفقد السعر قيمته.
ومن زاوية أخرى فالمفكر الكبير "كارل بولاني" درس تطور السوق منذ المجتمعات ما قبل الرأسمالية وتوصل إلى أن المبادلات في السوق تندرج في إطار علاقات اجتماعية؛ وعلاقات الضبط الاجتماعي أي أن ما يدور في السوق مُتحكم فيه بعلاقات اجتماعية تتسم بالتداخل، ويعني هذا أن الأسواق منذ القِدم كانت محاصرة ومؤطَرة بهذه التمثلات؛ وبمبادئ توظيف الموارد. فتبادل الهدايا على سبيل المثال في المجتمعات ما قبل الرأسمالية، كما وضح الأنثروبولوجيون أن الهدية تتطلب هدية أخرى كمقابل لها في منطق تبادل الهدايا يوضح هذا الأخير أن العوامل عديدة ومتداخلة ولا يسعنا القول إلا أن ما يتحكم في السوق هو في الغالب عوامل خارجة عنه؛ إما مؤسساتية ونقصد هنا مؤسسات ك (القانون، الاتفاقيات، القضاء، الإدارة، و التعاقدات...) فالممارسة في السوق أصبحت بعيدة كل البعد عن التمثل الكلاسيكي مع آدم سميث وباقي الرواد، لذا عند دراسة العلاقات التي تتكون في إطار السوق نستحضر مبدأ الثقة la confiance ؛ فلا يمكن أن تكون هناك علاقات في غياب عنصر الثقة بين البائع والمشتري، وبالثقة في جودة المنتج، وهنا يبرز الدور الهام الذي يلعبه الوسطاء الذين يعملون على تجهيز معايير التقييم، هؤلاء يمكن أن يكونوا أشخاصاً موزعين؛ أو وكلاء، ويمكن أن يكونوا أيضا عبارة عن علامات تجارية تنم عن الجودة مثلا؛ فهناك سلعة ما تحمل تمثلات الجودة لدى زبون معين الشيء الذي يجعله يشتريها بغض النظر عن ثمنها؛ فتمثله حولها فوق كل اعتبار. إذن فالسوق بهذا المعنى هو تمثل اجتماعي إلى جانب كونه بناء اجتماعيا.
يمكن تلخيص الشروط التي يقوم عليها السوق حسب الدكتور "نجيب أقصبي" في ثلاث نقاط أساسية:
أولا تعدد الفاعلين: أي وجود عدد كبير من المقاولات التي تبيع؛ تشتري وتنتج مواد وخدمات متشابهة ليتمكن المستهلك من الاختيار عن طريق المقارنة فيما يتعلق بالجودة والثمن، فعند انعدام التعددية لن تكون هنالك منافسة.
ثانياالشفافية: يجب أن يتمكن المستهلك من المعلومة كاملة؛ وكافية ليكون اختياره مبنيا على مقارنة عقلانية احتراما
لمبدأ الشفافية.
ثالثا انعدام الاحتكار: فأية مقاولة جديدة يجب أن تتوفر لها الإمكانية لولوج السوق دون حواجز تعجيزية، لذا يجب انعدام الاحتكار واستغلال النفوذ والتكتل.
إن التجربة التنموية للمغرب كانت تقوم على اختيارات تركز على السوق، هذه الاختيارات فشلت، ما يدفعنا للتساؤل حول لأسباب التي جعلتها تفشل وسبل معالجة مكامن الخلل. هذه الاستراتيجية التنموية للمغرب مرت هي الأخرى بثلاث مراحل:
1مرحلة الاختيارات
2مرحلة تنزيل السياسات العمومية التي وظفت لتحقيق الأهداف المسطرة
3 المرحلة الثالثة هي الحصيلة
الاختيارات: أو ما كان يُسمى بالتخطيطات الوطنية منذ الستينيات إلى بداية سنوات 2000، المغرب آنذاك كان يعمل باستراتيجيات عرفت بالتخطيط الوطني الاقتصادي والاجتماعي، هذا التخطيط الذي كان يسمى تخطيط ثلاثي إذا كان في أفق ثلاث سنوات (كتخطيط سنة 1965\1967) خماسي كتخطيط سنوات1968\1972و1973\ 1977 ).
سنجد أن المغرب بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم سنة 1960، وبعد سنوات الرصاص كانت هنالك حالات استثنائية من الناحية السياسية أي تواجد مناخ سياسي لا يحترم الحد الأدنى من حقوق الإنسان، في ستينات القرن الماضي كان الجو السياسي العالمي ثنائيا (معسكر شرقي و معسكر غربي)، وكانت كل دولة مُطالبة بتحديد انتمائها، المغرب أنداك وفي عهد الحسن الثاني وقع الاختيار على المعسكر الغربي؛ المرادف الاقتصادي لهذا الاختيار الجيوسياسي هو اقتصاد السوق كما قدم لنا في ذلك الوقت القائم على المنافسة الحرة بكل معاييرها. كان الرهان أيضا على القطاع الخاص الذي من المفترض أن يكون هو المستثمر والفاعل الأول في تحريك عجلة التنمية لبناء اقتصاد السوق، هذا الاختيار بالطبع لم يقتصر على الاقتصاد الوطني بل على الصعيد الدولي؛ حيث قيل في ذلك الوقت أن للاقتصاد المغربي مؤهلات وامتيازات للتخصص في قطاع معين (الفلاحة، الصناعة، الخدمات...) أي تخصيص الإنتاج الوطني لخدمات موجهة بالأساس إلى الخارج لتلبية حاجيات الطلب الخارجي وليس الداخلي فقط، والتوجه أيضا للتصدير لنتوفر بالتالي على ميزان تجاري يحقق الوفرة؛ أي ارتفاع الصادرات على الواردات والعمل على الاستفادة من المواد المستوردة من الخارج لتطوير الاقتصاد الوطني.
هذه الاختيارات تشمل كما قلنا اقتصاد السوق، القطاع الخاص، والاندماج في العولمة؛ إنها من جهة عبارة عن رهانات اختبرت قدرة القطاع الخاص ليكون رائدا في التنمية، ومن جهة أخرى رهان على الخارج وعلى قدرة السوق الدولية التي ستسحبنا نحو تحقيق التنمية؛ هذين الاختيارين يمكن وصفهما بأنهما عموديين، وهناك اختيار أفقي بينهما والذي لم يكن مصرحا به وهو الاختيار الاجتماعي الذي يتمثل في فكرة تعود من ناحية التنظير إلى"كوزنيت" الذي يرى بوجود مراحل في التنمية، ففي المرحلة الأولى لا يجب الاهتمام بالتوزيع؛ القيمة المُضافة أو المداخيل الناجمة عن الإنتاج، بل يجب الاهتمام في البداية بالاستثمار، التراكم والإنتاج. من هذا المنظور لا بأس أن تكون في المرحلة الأولى من التنمية فوارق اجتماعية تزيد من تعميق هذه الهوة، بعبارة أخرى الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا؛ لأن السياسة تحاول خلق طبقة المقاولين أو بورجوازية وطنية كالتي كانت في أوروبا في القرنين 18\19م تلك التي كانت رافعة للثورة الصناعية والتي قضت على الفيودالية، إذن لا بأس كمرحلة أولية من تقوية هذه البورجوازية التي من شأنها في مرحلة ثانية أن تبدأ بالإنتاج وخلق مناصب شغل، أي هناك تدفق؛ عندما يصبح الأغنياء أكثر غنى حسب هذه النظرية فإن جزء من ثروتهم سيتدفق ليشمل الطبقة الوسطى، ما يعنيه هذا أنه عندما يكون الناتج الداخلي الخام ضخما، أنداك يمكن التفكير في عملية التوزيع.
السياسات العمومية: لخدمة هذه الاختيارات المؤسِسة لاستراتيجية موجهة لتنمية البلاد خلال 50\60 سنة وُظفت سياسات عمومية متعددة ولكنها ظلت قارة برغم حركية الحكومات، إذن فالسياسات المتبعة كلها صبت في مسألة البحث عن كيفية إنجاح هذه الاختيارات، فالبنيات التحتية مهمة جدا لذلك كان تطور القطاع الخاص يحتاج طرقا؛ موانئ؛ مطارات وسدود وهذا واجب الدولة من خلال صرف المال العمومي لخلق مناخ مساعد لعمل القطاع الخاص.
لقد عمل المغرب على رصد سياسات وقوانين واضحة عرفت "بالمَغْرَبَة" في السبعينيات حيث كان يمنع على الأجانب امتلاك أكثر من 49% من رأسمال الشركات، هذا يعني أنه حدث تحويل ضخم للرأس المال الذي كان بداية في يد الأجانب المُعمرين وانتقل ليصبح في يد المغاربة الذين تم الرهان عليهم عن طريق تعزيز قاعدتهم الإنتاجية. عشرون سنة بعد سياسة المغربة ما بين سنوات التسعينيات والألفين، حيث ظهرت سياسة"الخوصصة" ومن ثم إذا كانت المغربة هي تحويل الرأس المال الأجنبي لرأس المال المغربي، فالخوصصة هي تحويل رأس المال العمومي لمؤسسات عمومية لصالح نفس الطبقة؛ وبنفس الغرض أي لتعزيز طبقة بورجوازية وطنية حاملة للمشروع التنموي. إلى جانب وجود سياسات ضريبية أيضا، وفي هذا النطاق ناشد الدكتور أقصبي الطلبة الباحثين بضرورة الاطلاع على التاريخ الاقتصادي للمغرب وتتبع هذا التسلسل للسياسات العمومية التي وُظفت جلها إما لتعزيز اقتصاد السوق والقطاع الخاص بهدف خلق طبقة المقاولين، ولتعزيز انفتاح الاقتصاد على السوق الدولية أو لتشجيع الصادرات.
الحصيلة: منذ 60 سنة من التجربة لازال السؤال المطروح هو هل حققت هذه الاختيارات النتائج المتوقعة؟ وهل ربحنا الرهان؟ الواضح مع الأسف هو أنه على صعيد الدولة وقع اعتراف رسمي بفشل ما يُسمى بالنموذج التنموي وهو ضمنيا اقرار بفشل الاختيارات والرهانات المُتخذة، السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل حقا وصلنا لاقتصاد السوق؟ وهل لدينا قطاع خاص يقوم بالدور المنوط به؟ وهل هذا الاندماج في العولمة مكننا من تحقيق ما راهنا عنه؟ هذا بمثابة تقييم بسيط للسياسات العمومية، ومن الناحية الاجتماعية قلنا أن هناك نظرية تدفق؛ لكن ألم تكن 50 سنة الماضية بكافية ليتحقق هذا التدفق؟
اليوم أيا كان من يلاحظ واقع الاقتصاد المغربي يجد منطق الريع هو المسيطر وليس منطق السوق وهو السائد بعد 50\60 سنة من السياسات المُحفزة لمنطق اقتصاد السوق أنتجت في النهاية واقعا مغايرا تماما يسود فيه الاحتكار والزبونية، كما أن القطاع الخاص أيضا لم يقم بدوره. فهل يمكننا القول اليوم أن وجود طبقة بورجوازية حقيقية تقوم بدورها التاريخي لتكون هي القائدة للنمو؟ لعل الإحصاءات توضح أن القطاع الخاص يُشغل مليون ومائة مأجور أي 10% فقط من اليد العاملة للسكان النشطين الذين يمثلون ما يقارب 12 مليون من المغاربة وهذه نسبة ضئيلة جدا. أما من ناحية الرهان على الخارج فكل المعايير تشير إلى أنه اندماج خاسر فالمُتوقع أن يكون لدينا اليوم ميزان تجاري يحقق الوفرة ومع الأسف العكس هو الصحيح إذ أن معدل التغطية للواردات بالصادرات لا يتعدى 55% أي نسبة العجز تمثل 45%. يبدو أن إشكالية المغرب أنه بعد السياسات التقشفية وسياسات التقويم الهيكلي؛ سياسات الثمانينيات والتسعينيات نلاحظ أن الطبقة قد تقلصت، ويكفي اليوم ملاحظة الإحصاءات الرسمية التي توضح أن نسبة الفقر تقلصت حيث أن الفقراء يمثلون 3 ملايين؛ وبأن الهشاشة تمثل ما بين 5\6 مليون، لكن أزمة كوفيد19 بينت أن مرحلة الحجر الصحي كشفت أن الدولة لا تستطيع منع الناس من التوقف عن العمل بدون تقديم الدعم لهم؛ والسبب أن جل العاملين في البلاد مُياومين، وقد برز في عدد من التصريحات أن 5 مليون و100 ألف أسرة عبرت عن رغبتها في الاستفادة من الدعم عبر التسجيل في منصة التضامن، هذا العدد إذا ضربناه في 4,6 سنصل إلى ما يقارب 24 مليون مغربي يعاني من الهشاشة والفقر أي 60\70% من سكان المغرب. والحصيلة إذن هي فشل تلك الاختيارات والرهانات.
لذا يرى الخبير الاقتصادي ضرورة أخذ العبرة من هذه الاختيارات لصياغة اختيارات جديدة وفق برامج ودراسات استفادت من التجارب السابقة، فالتوجهات المُقبلة يرى الدكتور أنها تتطلب بناء علاقة جديدة بين الدولة والسوق والقطاع الخاص، هذا مع ضرورة محاربة اقتصاد الريع فلا يمكن التوجه للمستقبل ومحاولة بناء اقتصاد مُجدي ونافع بدون القضاء على اقتصاد الريع الذي لازال هو المُهيمن، هذه إذن هي الخطة البديلة فلا بديل بدون محاربة الريع. ويجب على الدولة أن تمنح الدعم والمحفزات للقطاع الخاص لكن بشروط والتزامات وتعاقدات ليقوم هو الآخر بدوره كالاستثمارات؛ خلق فرص الشغل؛ وتكثيف القيمة المضافة، أي أن تكون علاقة تعاقدية شفافة بحقوق وواجبات متبادلة. ناهيك عن بناء علاقة جديدة مع الخارج علاقة مدروسة عن طريق إعادة التفاوض حول اتفاقيات التبادل الحر على أساس منهجية أخرى؛ لذا يجب تعزيز المنتوج المحلي لتكوين عرض تصدير يقوم على التنوع والتنافس؛ أنداك نتوجه لاتفاقيات تبادل جديدة نعرف ما سنربحه منها. ثم إعادة الاعتبار لعلاقات جديدة تقوم على السيادة الوطنية وعلى تفضيل السوق الداخلية كرافعة للانفتاح المُقبل؛ وضرورة إعادة النظر في توزيع الثروة الوطنية توزيع أكثر عدالة يجعل الإنسان المغربي في صلب الاختيارات الأساسية، فهل استثمارات الدولة اليوم هاجسها الأول هو الحاجيات الأساسية للإنسان؟ أم لتلبية رغبات أقلية معينة! يجب إذن التوجه للصحة؛ للتعليم؛ للبنيات التحتية خاصة في العالم القروي والتوجه للاستثمارات التي تخلق مناصب شغل، ويجب الحفاظ على الموارد الطبيعية فلا وجود لمستقبل دون الحفاظ على هذه الموارد إذن يجب مراعاة ذلك في أي اختيار كيفما كان شرط الحفاظ على هذه الموارد.
حرر بتطوان يوم الخميس 25 يونيو 2020 من طرف:
الطالبة الباحثة: إيمان مشالا
الطالبة الباحثة: بشرى البدوي